كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال في الحكم‏:‏ تشوّفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير لك من تطلعك إلى ما حجب عنك من الغيوب‏.‏

- ‏(‏الرافعي‏)‏ إمام الدين ‏(‏في تاريخ قزوين عن ابن عباس‏)‏ ورواه البخاري في الأدب المفرد عنه موقوفاً وكذا البيهقي في الشعب‏.‏

420 - ‏(‏إذا أسأت‏)‏ أي عملت سيئة ‏(‏فأحسن‏)‏ بفتح الهمزة أي قابل الفعلة السيئة بخصلة حسنة كأن تقابل الخشونة باللين والغضب بالكظم والسورة بالأناة وقس عليه ذكره الزمخشري وشاهده أن الحسنات يذهبن السيئات وهذا إشارة إلى أن الإنسان مجبول على الشهوات ومقتضى البهيمية والسبعية والملكية فإذا ارتكب من تلك الرذائل رذيلة يطفيها بمقتضى الملكية‏:‏ أتبع السيئة الحسنة تمحها، ومن البين أن الكبيرة لا يمحوها إلا التوبة‏.‏ قال الراغب‏:‏ والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة تنال المرء في نفسه وبدنه والسيئة تضادها وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة‏.‏

- ‏(‏ك هب عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال أراد معاذ بن جبل سفراً فقال يا رسول الله أوصني فذكره ورواه عنه أيضاً الطبراني وغيره‏.‏

421 - ‏(‏إذا استأجر أحدكم‏)‏ أي أراد أن يستأجر ‏(‏أجيراً فليعلمه‏)‏ لزوماً ليصح العقد ‏(‏أجره‏)‏ أي يبين قدر أجرته وقدر العمل ليكون على بصيرة ويكون العقد صحيحاً ونبه بذلك على أن من أركان الإجارة ذكر الأجرة وكونها مقدرة فمن عمل لغيره عملاً بلا معاقدة ولا تعيين أجرة فإن ذكر مقتضياً لها كاقصر هذا الثوب وأنا أرضيك فله أجرة المثل وإن لم يذكر مقتضياً فلا أجرة له وإن اعتاد العمل بها عند الشافعي خلافاً لمالك‏.‏ قال الراغب‏:‏ والأجير فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل والاستئجار طلب الشيء بالإجرة نحو الاستيجاب في استعارته للإيجاب، وقال الزمخشري‏:‏ أجرني فلان داره فاستأجرتها فهو مؤجر ولا تقل مؤاجر فإنه خطأ قبيح‏.‏

- ‏(‏قط في‏)‏ كتاب ‏(‏الأفراد‏)‏ بفتح الهمزة ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ رضي الله تعالى عنه وفيه عبد الأعلى بن أبي المشاور قال أبو داود والنسائي متروك‏.‏

422 - ‏(‏إذا استأذن أحدكم ثلاثاً‏)‏ أي طلب الأذن في الدخول وكرره ثلاث مرات بالقول أو بقرع الباب قرعاً خفيفاً ‏(‏فلم يؤذن له‏)‏ فيه ‏(‏فليرجع‏)‏ وجوباً إن غلب على ظنه أنه سمعه وإلا فندباً وبه يحصل التوفيق بين الكلامين ولا يلح في الإذن ولا يقف على الباب منتظراً لأن هذا يجلب الكراهية ويقدح في قلوب الناس سيما إذا كانوا ذوي مروءة مرتاضين بالآداب الحسنة‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ وإذا نهي عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في عادات من لا يتهذب من أكثر الناس وهذا كله إذا لم يعرض أمر في دار من نحو حريق أو هجوم عدوّ أو ظهور منكر يجب إنكاره وإلا فهو مستثنى بالدليل القاطع انتهى قالوا‏:‏ ويسن الجمع بين السلام والاستئذان بأن يقدم السلام وحكمه الثلاث كما في رواية ابن أبي شيبة عن علي أن الأولى إعلام والثانية مؤامرة والثالثة عزيمة‏.‏

هذا الحديث رواه أبو موسى الأشعري بحضرة عمر فقال أقم عليه البينة فوافقه أبو سعيد الخدري فقبل ذلك منه عمر كما رواه الشيخان ومنه أخذ أبو علي الجبائي أنه يشترط لقبول خبر الواحد موافقة غيره له واعتضاده وأجيب بمن طلب عمر البينة ليس لعدم قبول خبر الوحد بل للتثبت كما يكشف عنه قول عمر رضي الله عنه فيما رواه مسلم إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏حم ق‏)‏ في الاستئذان ‏(‏د‏)‏ في الأدب ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري ‏(‏و‏)‏ عن ‏(‏أبي سعيد‏)‏ الخدري ‏(‏معاً‏)‏ قال بشر بن سعيد سمعت أبا سعيد يقول‏:‏ ‏[‏ص 274‏]‏ كنت جالساً بالمدينة في مجلس الأنصار فأتانا أبو موسى فزعاً مذعوراً فقلنا‏:‏ ما شأنك قال‏:‏ إن عمر أرسل إليّ أن آتيه فأتيت بابه فسلمت ثلاثاً فلم يرد فرجعت فقال‏:‏ ما منعك أن تأتينا فقلت‏:‏ أتيت فسلمت على بابك ثلاثاً فلم ترد فرجعت وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره فقال عمر‏:‏ أقم عليه البينة وإلا أوجعتك فقال أبيّ بن كعب‏:‏ لا يقوم معه إلا أصغر القوم قال أبو سعيد‏:‏ قلت أنا أصغرهم قال‏:‏ فاذهب به فذهبت إلى عمر فشهدت‏.‏

- ‏(‏طب والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن جندب‏)‏ بضم المعجمة وفتح المهملة ابن عبد الله ‏(‏البجلي‏)‏ بفتح الموحدة والجيم وكسر اللام نسبة إلى بجلة قبيلة مشهورة قال في المفصل وغيره له صحبة غير قديمة سكن الكوفة ثم تحول للبصرة قال أبو نعيم وابن منده يقال له جندب الخير وقيل غير ذلك‏.‏

423 - ‏(‏إذا استأذنت أحدكم امرأته‏)‏ أي طلبت منه الإذن ويظهر أن المراد ما يشمل نحو أمته وموليته ممن هو مالك أمرها ‏(‏إلى المسجد‏)‏ أي في الخروج إلى الصلاة ونحوها في المسجد أو ما في معناه أو شهود عيد وزيارة مريض ليلاً ‏(‏فلا يمنعها‏)‏ بل يأذن لها ندباً حيث أمن الفتنة لها وعليها وذلك هو الغالب في ذلك الزمن عكس ما بعد ذلك كما مر‏.‏ قال الكمال‏:‏ هذا الحديث خصه العلماء بأمور مخصوصة ومقيسة فمن الأول خبر أيما أمرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء وكونه ليلاً ففي مسلم‏:‏ لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد إلا بالليل والثاني حسن الملابس ومزاحمة الرجال والطيب فإنهنّ يتكلفن للخروج ما لم يكن عليهن في المنزل فمنعن مطلقاً لا يقال هذا حينئذ نسخ بالتعليل لأنا نقول المنع يثبت حينئذ بالعمومات المانعة من التعيين أو هو من باب الإطلاق بشرط فيزول بزواله كإنتهاء الحكم بإنتهاء علته وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدثته النساء بعده لمنعهنّ المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل وفي خبر رواه ابن عبد البر عن عائشة مرفوعاً أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المساجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة فتبختروا في المساجد‏.‏ وبالنظر إلى التعليل المذكور منعت غير المتزينة أيضاً أي الشابة لغلبة الفساق ليلاً وإن كان النص يتجه لأن الفساق في زماننا أكثر انتشاراً وتعرضهم بالليل أهـ‏.‏

‏(‏حم ق‏)‏ في الصلاة ‏(‏ن عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

424 - ‏(‏إذا استجمر أحدكم‏)‏ أي مسح مخرجه بالجمار وهو الحجارة الصغار، والاستجمار التمسح بالجمار وهي الأحجار سمي به لأنه يطيب الريح كما يطيبه البخور وقيل المراد به استعمال البخور للتطيب ‏(‏فليوتر‏)‏ أي فليجعله وتراً ثلاثاً فأكثر فعلى الأول المراد المسحات وعلى الثاني أن يأخذ من البخور كما قال العراقي ثلاث قطع أو يأخذ منه ثلاث مرات يستعمل واحدة بعد أخرى مأخوذ من الجمر الذي يوقد قال في المشارق وكان مالك يقول به ثم رجع‏.‏ قال الولي العراقي‏:‏ ويمكن حمل هذا المشترك على معنييه وقد كان ابن عمر يفعل ذلك كما نقله ابن عبد البر وكان يستجمر بالأحجار وتراً ويجمر ثيابه وتراً انتهى وفيه إجزاء الاستنجاء بالحجر أي وما في معناه ولم يخالف فيه من يعتد به لكن الأفضل الماء وقول الإمام أحمد لا يصح في الاستنجاء بالماء حديث أطال مغلطاي في رده، نعم كرهه بعض الصحابة فقد أخرج ابن أبي شيبة بأسانيد قال ابن حجر صحيحة عن حذيفة أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذن لا يزال في يدي نتن وعن نافع أن ابن عمر كان يستنجي بالماء وعن ابن الزبير قال‏:‏ ما كنا نفعله ونقل ابن المنير عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء ومنع ابن حبيب من المالكية الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم وفيه كما قال الخطابي دليل على وجوب ثلاث مسحات، إذ من المعلوم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يرد الوتر الذي هو واحد لأنه زيادة صفة على الاسم ولا يحصل بأقل من واحد فعلم أنه قصد به ما زاد على الواحد وأدناه ثلاث‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ لعله أراد أن الاستجمار هو إزالة النجاسة بالجمار فلو أريد به المفرد لقال فليستجمر بواحد فلما عدل للوتر ‏[‏ص 275‏]‏ علم أن المراد الإتقاء وذلك لا يحصل بواحد غالباً فوجب حمله على الوتر الذي هو خلاف الشفع ويحصل به النقاء وأقله ثلاث انتهى وعلم بذلك أنه لا تمسك به للحنفية على جوازه بأقل من ثلاث‏.‏

- ‏(‏حم عن جابر‏)‏ ورواه عنه أيضاً ابن خزيمة وغيره‏.‏

425 - ‏(‏إذا استشار أحدكم أخاه‏)‏ في الدين وذكر الأخ غالبي فلو استشاره ذمي كان كذلك أي طلب منه المشورة يعني استأمره في شيء هل يفعله أو لا وذلك مندوب لمدحه تعالى للأنصار بقوله ‏{‏وأمرهم شورى بينهم‏}‏ ‏(‏فليشر عليه‏)‏ بما هو الأصلح وإلا فقد خانه كما في خبر رواه الخرائطي وغيره فيجب عليه بذل النصح وإعمال الفكر فإنه مؤتمن فإن بذل جهده فأخطأ لم يغرم كما ذكره الخطابي ولا يشاور في العبادة فإنها خير قطعاً على ما قيل لكنه بإطلاقه عليل إذ لو أراد الحج مثلاً فتردّد في كون تركه له أفضل لكونه حج قبل وكان عالم ذاك القطر وليس ثم من يسد مسده أو أراد الازدياد من الصوم وتردّد في كونه ربما عطل عليه ما هو أعم منه نفعاً فلا ريب في ندب الاستشارة وقس عليه، قال الراغب‏:‏ والاستشارة استنباط الرأي من غيره فيما يعرض من المشكلات ويكون ذلك في الأمور الجزئية التي يتردّد فيها بين فعل وترك ونعمت العدّة هي قال علي كرم الله وجهه المشاورة حصن من الندامة وأمن من الملامة وقيل الأحمق من قطعه العجب عن الاستشارة والاستبداد عن الاستخارة وكفى بمدحها قوله تعالى ‏{‏وشاورهم في الأمر‏}‏ لكن لا يشاور إلا أميناً حاذقاً ناصحاً مجرباً ثابت الجأش غير معجب بنفسه ولا متلون في رأيه ولا كاذب في مقاله فمن كذب لسانه كذب رأيه ويجب كونه فارغ البال وقت الاستشارة‏.‏

- ‏(‏ه عن جابر‏)‏ بن عبد الله رضي الله تعالى عنه وهو من حديث ابن الزبير عن جابر وقد رمز المؤلف لصحته‏.‏

426 - ‏(‏إذا استشاط السلطان‏)‏ تلهب وتحرق غضباً ‏(‏تسلط الشيطان‏)‏ أي تغلب عليه فأغراه بالإيقاع بمن يغضب عليه حتى يوقع به، فيهلك فليحذر السلطان من تسلط عدوه عليه فيستحضر أن غضب الله عليه أعظم من غضبه وأن فضل الله عليه أكبر وكم عصاه وخالف أمره ولم يعاقبه ولم يغضب عليه وليرد غضبه ما استطاع ويتيقظ لكيد الخبيث فإنه له بالمرصاد، وأخذ منه أن السلطان لا يعاقب من استحق العقوبة حتى يتروى سلطان غضبه لئلا يقدم على ما ليس بجائز ولهذا شرع حبس المجرم حتى ينظر في جرمه ويكرر النظر فقد قال بعض المجتهدين‏:‏ ينبغي للسلطان تأخير العقوبة حتى ينقضي سلطان غضبه وتعجيل مكافأة المحسن ففي تأخير العقاب إمكان العفو وفي تعجيل المكافأة بالإحسان المسارعة للطاعة‏.‏

- ‏(‏حم طب عن عطية‏)‏ بفتح أوله وكسر ثانيه ابن عروة ‏(‏السعدي‏)‏ له رؤية ورواية قال الهيتمي‏:‏ رجاله ثقات وذكره في موضع آخر وقال فيه من لم أعرفه وقد رمز المؤلف لحسنه‏.‏

427 - ‏(‏إذا استطاب أحدكم فلا يستطب بيمينه‏)‏ أي إذا استنجى فلا يستنجي بيده اليمنى وسمى الاستنجاء استطابة لتطييبه للبدن بإزالة الخبث الضار كتمه‏.‏ قال الخطابي‏:‏ فمعنى الطيب الطهارة ومنه ‏{‏سلام عليكم طبتم‏}‏ ‏(‏ليستنج‏)‏ بلام الأمر وتسمى لام الطلب لابتدائه وحذف العطف لأن الجملة استئنافية وفي القرآن ‏{‏لينفق ذو سعة من سعته‏}‏ ‏(‏بشماله‏)‏ لأنها للأذى واليمين لغيره والاستنجاء عند أحمد والشافعي واجب وعند مالك وأبي حنيفة سنة والنهي عنه باليمين للتنزيه وتمسك أهل الظاهر بظاهره فجعلوه للتحريم وفي كلام بعض الشافعية ما يوافقه لكنه ضعيف وعلى التحريم يجزي وقال الظاهرية وبعض الحنابلة، لا ومحل الخلاف ما لم تباشر اليد الإزالة بلا حائل وإلا حرم ولم يجز اتفاقاً واليسرى في هذا مثلها وشرع الاستنجاء مع الوضوء ليلة الإسراء وقيل أول البعثة حين علمه جبريل الوضوء والصلاة‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي هريرة‏)‏ قال مغلطاي‏:‏ هو قطعة من حديث رواه أبو عوانة في صحيحه معناه وفي مسلم ومن ثم رمز المصنف لصحته‏.‏

‏[‏ص 276‏]‏ 428 - ‏(‏إذا استعطرت المرأة‏)‏ استعملت العطر أي الطيب الظاهر ريحه في بدنها أو ملبوسها ‏(‏فمرت على القوم‏)‏ الرجال ‏(‏ليجدوا‏)‏ أي لأجل أن يشموا ‏(‏ريحها‏)‏ أي ريح عطرها ‏(‏فهي زانية‏)‏ أي هي بسبب ذلك متعرضة للزنا ساعية في أسبابه داعية إلى طلابه فسميت لذلك زانية مجازاً، ومجامع الرجال قلما تخلو ممن في قلبه شدة شبق لهن سيما مع التعطر فربما غلبت الشهوة وصمم العزم فوقع الزنا الحقيقي ومثل مرورها بالرجال قعودها في طريقهم ليمروا بها‏.‏

- ‏(‏3 عن أبي موسى‏)‏ الأشعري رمز المصنف لحسنه‏.‏

429 - ‏(‏إذا استقبلتك المرأتان‏)‏ الأجنبيتان أي صارتا تجاهك ‏(‏فلا تمر‏)‏ أي لا تمشي ‏(‏بينهما‏)‏ ندباً لأن المرأة مظنة الشهوة وهي أعظم مصائد الشيطان فمزاحمتها تجر إلى محظور ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ‏(‏خذ‏)‏ أي اتخذ طريقاً غير البينية ‏(‏يمنة أو يسرة‏)‏ بفتح أولهما جواب سؤال مقدر تقديره فكيف أذهب قال‏:‏ مر عن يمينهما أو عن يسارهما وتباعد عنهما ما أمكن والنهي للتنزيه والأمر للندب ما لم يغلب على الظن أن ذلك يؤدي إلى فتنة فللتحريم وللوجوب‏.‏

- ‏(‏هب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وإسناده ضعيف‏.‏

430 - ‏(‏إذا استكتم‏)‏ من السواك وهو دلك الأسنان بنحو عود ‏(‏فاستاكوا عرضاً‏)‏ بفتح أوله وسكون ثانيه أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها فيكره طولاً لأنه يجرح اللثة ويدمي ومع ذلك يجزي إلا في اللسان فإنه يستاك فيه طولاً لخبر فيه‏.‏

- ‏(‏ص‏)‏ عن سعيد بن منصور في معجمه الكبير ‏(‏عن عطاء‏)‏ بن أبي رباح ‏(‏مرسلاً‏)‏ هو أبو محمد القرشي المكي مولاهم أحد الأعلام ورواه أبو داود في مراسيله وعجب للمؤلف كيف أبعد النجعة‏.‏

431 - ‏(‏إذا استلج‏)‏ بتشديد الجيم استفعال من اللجاج وهو التمادي في الأمر ولو بعد تبين الخطأ وأصله الاصرار على الشيء مطلقاً ‏(‏أحدكم في اليمين‏)‏ أي في الشيء المحلوف فيه سمي يميناً لتلبسه بها ‏(‏فإنه آثم له‏)‏ بالمد ‏(‏عند الله من الكفارة التي أمر بها‏)‏ قال الزمخشري‏:‏ معناه إذا حلف على الشيء فرأى غيره خير منه ثم لج في إبرارها وترك الحنث والكفارة كان ذلك آثم له من أن يحنث ويكفره انتهى‏.‏ وقال القاضي‏:‏ المراد إذا حلف على شيء يتعلق بأهله وأصر عليه كأن أدخل في الوزر وأفضى إلى الإثم من الحنث لأنه جعل الله لذلك عرضة الامتناع عن البر ومواساة الأهل والاصرار على اللجاج وقد نهي عن ذلك بقوله تعالى ‏{‏ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم‏}‏ الآية قال‏:‏ وآثم اسم تفضيل أصله أن يطلق للجاج الإثم فأطلقه للجاج الموجب للإثم اتساعاً والمراد به أنه يوجب إثم كبير إثم مطلقاً لأنه بالإضافة إلى ما نسب إليه من أمر مندوب لا إثم فيه وقيل معناه أنه إن كان يتحرج من الحنث والتأثم فيه ويرى ذلك فاللجاج إثم في زعمه وحسبانه إلى هنا كلام القاضي رحمه الله تعالى‏.‏ وقال النووي‏:‏ معناه إذا حلف يميناً تتعلق بأهله وتضرر بعدم حنثه فالحنث ليس إثماً فيحنث ويكفر فإن تورع عن الحنث فهو مخطئ فإدامة الضرر أكثر إثماً من الحنث أي في غير محرم فقوله آثم خرج عن المفاعلة المقتضية للاشتراك في الإثم عليه باللجاج أكثر لو ثبت الإثم، فهذا خلاصة ما للأئمة الأعلام في هذا المقام فلا يلتفت إلى ما وراءه من الأوهام‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي هريرة‏)‏ رمز المؤلف لحسنه ورواه عنه الحاكم وقال على شرطهما وأقره الذهبي ولعل المؤلف لم يستحضره حيث عدل في الأصل لرواية إرساله فعزاه للبيهقي عن عكرمة مرسلاً‏.‏

‏[‏ص 277‏]‏ 432 - ‏(‏إذا استلقى أحدكم على قفاه‏)‏ أي طرح نفسه على الأرض ملصقاً مؤخر عنقه وظهره بها لاستراحة أو نوم، والإلقاء الطرح والقفا مؤخر العنق ‏(‏فلا يضع إحدى رجليه على الأخرى‏)‏ حيث لم يأمن من انكشاف شيء من عورته كالمؤتزر فإن أمن كالمتسرول فلا بأس ولو في المسجد لأن المصطفىصلى الله عليه وسلم فعله فيه كما رواه البخاري ومسلم وإنما أطلق النهي لأن الغالب فيهم الائتزار لا التسرول وهذا أولى من ادعاء أن الحديث المشروح منسوخ بحديث البخاري لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وإلى معنى ما تقرر أشار بعضهم بقوله وضع إحدى الرجلين على الأخرى نوعان أن يكون رجلاه ممدودتين فلا بأس بوضع إحداهما على الأخرى فإنه لا ينكشف من عورته شيء بهذه الهيئة وأن يكون ناصباً ركبة إحدى الرجلين ويضع الأخرى على الركبة المنصوبة فإن أمن من انكشاف عورته لكونه بسراويل أو لكون إزاره أو ردائه طويلين جاز وإلا فلا‏.‏

- ‏(‏ت عن البراء‏)‏ بن عازب ‏(‏حم عن جابر‏)‏ بن عبد الله ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح غير خراش العبدي وهو ثقة أهـ ومن ثم رمز المصنف لصحته‏.‏

433 - ‏(‏إذا استنشقت‏)‏ أيها المتوضئ بدليل خبر الطيالسي إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثاً ‏(‏فاستنثر‏)‏ ندباً أخرج الماء الذي استنشقت به ليخرج معه ما في الأنف من نحو مخاط ويخرجه بريح الأنف إن لقي إلا فبيده ويسن كونه باليسرى كما في رواية النسائي وذلك لما فيه من تنقية مجرى النفس الذي به تلاوة القرآن ولإزالة ما فيه من الثقل ليفتح مجاري العروق ولما فيه من طرد الشيطان‏.‏ قال الطيبي‏:‏ خص الاستنثار لأن القصد خروج الخطايا وهو مناسب للاستنثار لأنه إخراج ‏(‏وإذا استجمرت‏)‏ أي مسحت محل النجو بالجمار ‏(‏فأوتر‏)‏ بثلاث أو خمس أو أكثر والواجب عند الشافعية ثلاث فإن لم ينق زيد ويسن الإيتار وحملوا الخبر على الوجوب في الثلاث وعلى الندب فيما زاد استعمالاً للأمر في حقيقته ومجازه وهو شائع عندهم والاستنشاق إبلاغ الماء إلى خياشيمه والاستنثار استفعال من النثر بنون ومثلثة وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتطهر أي يجذبه بريح الأنف لتنظيف ما في داخله فيخرجه ريح أنفه سواء كان بإعانة يده أو لا وحكي عن مالك رحمه الله تعالى كراهة فعله بغير يده لأنه يشبه فعل الدابة والمشهور عدم الكراهة وقيل الاستجمار هنا مأخوذ من الجمر الذي يوقد، قال الولي العراقي‏:‏ ويمكن حمل المشترك على معنييه وقد كان ابن عمر رضي الله عنه يفعل ذلك كما نقله ابن عبد البر وكان يستجمر بالأحجار وتراً ويجمر ثيابه وتراً‏.‏

- ‏(‏طب عن سلمة‏)‏ بفتح المهملة واللام ‏(‏ابن قيس‏)‏ الأشجعي ثم الكوفي رمز المؤلف لحسنه‏.‏

434 - ‏(‏إذا استيقظ الرجل من الليل‏)‏ أي انتبه من نومه من الليل أو في الليل أو ليلاً فمن تبعيضية أو بمعنى في‏.‏ قال الولي العراقي‏:‏ ويحتمل أنها لابتداء الغاية من غير تقدير وهذا معنى التهجد عرفاً فإنه صلاة تطوع بعد نوم ‏(‏وأيقظ أهله‏)‏ حليلته، وزعم أنه شامل للأبوين والولد والأقارب لا يلائم قوله ‏(‏وصليا‏)‏ بألف التثنية وفي رواية فقاما وصليا ‏(‏ركعتين‏)‏ فأكثر ولفظ رواية أبي داود وابن ماجه قصليا أو صلى ركعتين جميعاً قال الطيبي‏:‏ وقوله جميعاً حال مؤكدة من فاعل فصليا على التثنية لا الإفراد لأنه ترديد من الراوي والتقدير فصليا له ركعتين جميعاً ‏(‏كتبا‏)‏ أي أمر الله الملائكة بكتابتهما ‏(‏من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات‏)‏ الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن ووعدهم بالغفران أي يلحقان بهم ويبعثان يوم القيامة معهم ‏[‏ص 278‏]‏ ويعطيهما ما وعدوا به، ومن تبعيضية فيفيد أن الذاكرين أصناف، وهذا من تفسير الكتاب بالسنة فإنه بيان لقوله تعالى ‏{‏والذاكرين الله كثيراً ‏}‏ قال الزمخشري‏:‏ الذاكرون الله من لا يكاد يخلو بلسانه أو بقلبه أو بهما عن الذكر والقراءة قال الولي العراقي‏:‏ وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم الشرعي من الذكر والمعنى والذاكرين الله كثيراً والذاكرات فحذف لدلالة الظاهر عليه‏.‏

- ‏(‏د ن ه حب ك عن أبي هريرة‏)‏ الدوسي ‏(‏وأبي سعيد‏)‏ الخدري ‏(‏معاً‏)‏ ورواه عنه البيهقي أيضاً وغيره‏.‏

435 - ‏(‏إذا استيقظ‏)‏ أي انتبه وفي رواية إذا قام ‏(‏أحدكم‏)‏ خطاب في عمومه خلف والأصح عدمه لكن العموم هنا بدليل آخر ذكره الطيبي وغيره ‏(‏من نومه‏)‏ فائدة ذكره من نومه مع أن الاستيقاظ لا يكون إلا من نوم دفع توهم مشاركة الغشي فيه وفائدة إضافة النوم إلى أحدنا مع أن أحداً لا يستيقظ من نوم غيره الإيماء إلى أن نومه مغاير لنومنا إذ لا ينام قلبه، وفيه شمول لنوم النهار وقول ابني جرير وراهويه وداود خاص بنوم الليل لقوله في رواية ابن ماجه إذا استيقظ أحدكم من الليل رده ابن دقيق العيد بأن في ذكر السبب المترتب على النوم ما يشعر بتعميم المعنى والحكم يعم بعموم علته فيكون من مفهوم الموافقة أي الأولوية، نعم قال الرافعي الكراهة في نوم الليل أشد لأن احتمال الافضاء فيه أظهر ‏(‏فلا يدخل‏)‏ وفي رواية فلا يضع أي ندباً فلو فعل لم يتنجس الماء خلافاً لداود والحسن البصري والطبري، فعلم أن النهي للتنزيه وصرفه عن التحريم التعليل بأمر يقتضي الشك إذ الشك لا يقتضي وجوباً في هذا الحكم استصحاباً للطهارة ولهذا قال بعضهم هذا يرده القاعدة المتفق عليها أن التردد لا يوجب العمل بخلاف الأصل وهو الطهارة ‏(‏يده‏)‏ مفرد مضاف فيعم كل يد ولو زائده ‏(‏في الإناء‏)‏ الذي فيه ماء الوضوء أو الغسل وبين به أن النهي مخصوص بالآنية المعدة للطهر وما فيها ماء قليل بخلاف نحو بركة وحوض إذ لا يخاف فساد مائه بغمس اليد فيه بقرض نجاستها لكثرته ‏(‏حتى يغسلها ثلاثاً‏)‏ فيكره إدخالها قبل استكمال الثلاث ولا تزول الكراهة بمرة مع تيقن الطهر لها لأن الشارع إذا غيا حكماً بغاية وعقبه وصفاً مصدراً بالفاء وأن أو بأحدهما كان إيماء إلى ثبوت الحكم لأجله فلا يخرج عن عهدته إلا باستيفائها فاندفع استشكاله بأنه لا كراهة عند تيقن الطهر ابتداء ‏(‏فإن‏)‏ قال الكمال ابن أبي شريف‏:‏ الفاء فيه لبيان أن ما بعدها علة الحكم ‏(‏أحدكم لا يدري أين باتت يده‏)‏ من جسده أي هل لاقت محلاً طاهراً أم نجساً كبثرة أو جرح أو محل نجو أو غيرها والتعليل به غالبي إذ لو نام نهاراً أو علم أن يده لم تلق نجساً كأن لفها في خرقة أو شك في نجاستها بلا نوم ندب غسلها فقد صح أن المصطفىصلى الله عليه وسلم غسل يديه قبل إدخالهما الإناء حال اليقظة مع تيقن الطهر فمع الشك أولى لكن القائم من النوم يسنّ له الفعل ويكره تركه والمستيقظ يسن له الفعل ولا يكره تركه لعدم ورود النهي، ذكره ابن حجر كغيره، وهو غير معتبر لتصريح أئمة مذهبه بالكراهة فيها وقال الولي العراقي قال الخليل في المغني البيتوتة دخولك في الليل وكونك فيه بنوم وغيره ومن قال بت بمعنى نمت وقصره عليه فقد أخطأ‏.‏ واعلم أن بات قد يكون بمعنى صار كما في ‏{‏ظل وجهه مسوداً ‏}‏‏.‏

وذكر غير واحد أن بات هنا بمعنى صار منهم الآمدي وابن عصفور والزمخشري وابن الصائغ وابن برهان فلا يختص بوقت وقال ابن الخباز توهم كثير دلالتها على النوم يبطله قوله تعالى ‏{‏والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً‏}‏ ويدري من أفعال القلوب وهو معلق عن العمل فيما بعده باسم الاستفهام الذي هو أين وقد أشكل هذا التركيب بأن انتفاء الدراية لا يمكن تعلقه بلفظ أين باتت يده ولا بمعناه لأن معناه الاستفهام ولا يقال إنه لا يدري الاستفهام فقالوا معناه لا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه يده فيكون فيه مضاف محذوف وليس استفهاماً وإن كان صورته صورته والنهي للتنزيه لا للتحريم عند الجمهور ومعقول لا تعبدي خلافاً لبعض المالكية والحنابلة وليست الرجل كاليد خلافاً لابن حزم لأن اليد آلة الاستعمال والرجل لا تشاركها في الجولان وبفرضه هي أقل جولاناً وليس الحكم خاصاً بنوم الليل كما مر، نعم فرق أحمد بينهما بالنسبة للوجوب وللندب فجعله في نوم الليل واجباً وفي النهار ‏[‏ص 279‏]‏ مندوباً وهو كما قال النووي مذهب ضعيف إذ قوله من نومه اسم جنس فيعم كل نوم وقوله في رواية أخرى من الليل من ذكر بعض أفراد العام ثم قال العراقي وإذا تقرر أن العلة احتمال النجاسة فلا يختص الحكم بحال الانتباه من النوم فمتى شك في طهر يده كره غمسها قبل غسلها ثلاثاً وإن لم يكن انتبه من نوم‏.‏ هذا مذهبنا كالجمهور، ومن يرى الحكم تعبدياً لا يلحق الشك بالنوم‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ ولا فرق بين كون النائم متسرولاً أو يده في جراب أو لا لأن الحكم إذا علق على المظنة لم يعتبر حقيقة الحكمة كالعدة لبراءة الرحم قال وغمس بعض اليد ولو بعض أصبع أو ظفر ككلها لوجود العلة وقوله فلا يدخل يده يدل على أنه إذا غسل إحداهما أدخلها وإن لم تغسل الآخرى خلافاً لبعض المالكية ولا تجب نية عند غسلهما إلا عند من أوجبه وزعم أنه تعبدي وقوله في الإناء محمول على إناء دون قلتين كما في غالب الأواني وفيه أنه يندب غسل النجاسة ثلاثاً لأنه إذا أمر به في المتوهمة فالمحققة أولى إذ المتوهمة لا يحصل الاحتياط فيها بالنضح بل لا بد من الغسل وأن محل الاستنجاء بالحجر لا يطهر بل يعفى عنه بالنسة للصلاة وأن الماء القليل ينجس بوصول نجس إليه وإن قل ولم يغيره لأن الذي يعلق باليد ولا يرى في غاية القلة وأن الغسل سبعاً غير عام في جميع النجاسات وهو قول الجمهور خلافاً لأحمد والأخذ بالوثيقة العمل بالاحتياط ما لم يخرج إلى الوسوسة واستعمال لفظ الكناية فيما يتحاشى عن التصريح به وغير ذلك واستدل بهذا الحديث على التفريق بين ورود الماء على النجاسة وعكسه وهو جلي وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء وهو صحيح لكن كونها تؤثر التنجيس وإن لم يتغير فيه ما فيه إذ مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس فيحتمل أن الكراهة بالمتيقن أشد منها بالمظنون فلا دلالة فيه قطعية ذكره ابن دقيق العيد‏.‏

‏(‏تتمة‏)‏ قال النووي في بستانه عن محمد بن الفضل التيمي في شرحه لمسلم إن بعض المبتدعة لما سمع بهذا الحديث قال متهكماً به أنا أدري أين باتت يدي ياتت في الفراش، فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه‏.‏ قال ابن طاهر فليتق امرؤ استخفافاً بالسنن ومواضع التوقيف لئلا يسرع إليه شؤم فعله قال النووي‏:‏ ومن هذا المعنى ما وجد في زماننا وتواترت الأخبار به وثبت عند الثقات أن رجلاً بقرية بلاد بصرى في سنة خمس وستين وست مئة كان سيء الاعتقاد في أهل الخير وابنه يعتقدهم فجاءه من عند شيخ صالح ومعه سواك فقال مستهزئاً أعطاك شيخك هذا السواك فأخذه وأدخله في دبره استحقاراً له فبقي مدة ثم ولد ذلك الرجل الذي استدخل السواك جرواً قريب الشبه بالسمكة فقتله ثم مات الرجل حالاً أو بعد يومين‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏والشافعي‏)‏ في مسنده ‏(‏حم ق 4‏)‏ كلهم في الطهارة عن أبي هريرة واللفظ لمسلم قال المناوي وغيره ولم يقل البخاري ثلاثاً انتهى وبه يعرف أن ما أوهمه صنع المؤلف من أن الكل رووا الكل غير صواب فكان عليه تحرير البيان كما هو دأب أهل هذا الشأن‏.‏

436 - ‏(‏إذا استيقظ أحدكم من منامه‏)‏ ليلاً أو نهاراً ‏(‏فتوضأ‏)‏ أي أراد الوضوء‏.‏ قال ابن أبي شريف‏:‏ والفاء عاطفة ‏(‏فليستنثر‏)‏ بأن يخرج ما على أنفه من أذى بنفسه بعد الاستنشاق‏.‏ قال القاضي‏:‏ استنثر حرك النثرة وهي طرف الأنف ويجوز كونها بمعنى نثرت الشيء إذا بذرته‏.‏ والفاء للجواب ‏(‏ثلاث مرات‏)‏ وتحصل سنة الاستنشاق بلا استنثار لكن الأكمل إنما تحصل به ‏(‏فإن‏)‏ الفاء لبيان العلة ‏(‏الشيطان‏)‏ الظاهر أن المراد الجنس ‏(‏يبيت‏)‏ حقيقة أو مجازاً على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ‏(‏على خياشيمه‏)‏ بخاء وشين معجمة جمع خيشوم فيعول وهو أقصى الأنف المتصل بالبطن المقدم من الدماغ الذي هو محل الحس المشترك ومستقر الحياة فإذا نام اجتمعت فيه الأخلاط وانعقد المخاط وكل الحس وتشوش حتى ينسد مجاري النفس فيتعرض له الشيطان حينئذ لمحبته محل الأقذار بأضغاث أحلام فإذا قام من نومه وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال واستعصى عليه النظر الصحيح وعسر عليه القيام على حقوق الصلاة من نحو خضوع وخشوع، هذا هو المراد بالبيتوتة أو أن المراد أن الشيطان يترصد للإنسان في اليقظة ويوسوس له في الأحوال مع سمع وبصر ونطق وغيرها فإذا نام ‏[‏ص 280‏]‏ انسدّت تلك المنافذ إلا منفذ النفس من الخيشوم وهو باب مفتوح إلى قبة الدماغ فيبيت دون ذلك الباب وينفث بنفخه ونفثه في عالم الخيال ليريه من الأضغاث ما يكرهه فأرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم أمّته أن تمحو باستعمال الطهور على وجه التعبد آثار تلك النفحات والنفثات عن مجاري الأنفاس‏.‏ وقال في البحر‏:‏ خص الخيشوم لأن العين باب النظر إلى خلق السماوات والأرض فهو باب العبرة والفم باب الذكر والأذن باب سماع العلم والذكر وليس في الخيشوم شيء من هذه المعاني فكان محل مدخل الشيطان لبدن الإنسان للوسوسة‏.‏